بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .. نازعتني فكرة الكتابة عن "أيام من حياتي " وترددت كثيراً . غير أن الكثرة ممن أثق في إيمانهم بالقضية الإسلامية وهم من أبنائي وأخواني رواد الدعوة وبناة فكرها الذين عاشوا معي تلك الأيام ، رأوا أنه من حق الإسلام علينا أن نسجل تلك الحقبة من الأيام التي عاشت فيها الدعوة الإسلامية محاربة من قوى الإلحاد والباطل في الشرق والغرب ، التي قامت لتقتل كلمة الحق ورافعي لوائها وكل دعاتها الفاهمين الفاقهين المصارحين بشجاعة وصدق بأن كتاب الله وسنة رسوله معطلان ولابد من قيام الكتاب والسنة . ولابد من عودة الأمة الإسلامية بكل مقوماتها إلى أرض الإسلام لتحقق الصورة العملية العملاقة بعودة مجتمع التوحيد والعلم والمعرفة والصلة الحقيقية بالله سبحانه وتعالى ، فتنطوي مجتمعات الجاهلية التي أعمت البشرية عن طريقها السوي وشغلتها بغثائها عن طريق الله .. طريق الحق ، فيعملوا على تطهير الأرض من تأليه البشر ، وعبادة طواغيت الأرض بإتباع تشريعاتهم وتعطيل شريعة الله ، وتعود الحياة بنبضات الوجود الحقيقي الذي كانت به الأمة في عصر النبوة وصحبه المباركين رضوان الله عليهم جميعاً خير أمة أخرجت للناس .
لا صلاح لأمة ولا لهذا العالم إلا بالدعوة إلي الإسلام . إن غياهب السجون ومقاصل التعذيب وشراسة حملة السياط لم تزد المخلصين من أبناء الدعوة وبناة فكرها إلا قوة وثباتاً وصبراً على دفع الباطل ونحن نترصد منابته .
كذلك كان عهد الذين سلكوا طريق الحق قبلنا فاعتقدوه . فليس بالسياط يضيع الطريق ! ! ولكن الحجة بالحجة والرأي بالرأي، والكلمة تجابهها الكلمة .
سهل أن تضع القوة الباطشة العمياء السياط في أيدي المجانين ، ولكن الصعب هو أن تصرف المخدوعين بالباطل والمقتنعين بحمل السياط والمتألهين في الأرض ، عن طريق غوايتهم وجهلهم فتهديهم إلى طريق مستقيم .
والطريق إلى الحق واحد وهو طريق الله وأنبيائه ورسله وورثتهم .
أما الباطل فطرقه وسبله متفرقة. وعلى كل سبيل من سبله شيطان يزين للمغمورين منهم في ظلمة الباطل غوايته ويقودهم إلى سبيله. ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) الأنعام : 153 .
وليس أمام البشرية اليوم للخلاص من ذلك الضلال وهؤلاء الطغاة من البشر إلا أن ينتهجوا منهج الحق ، ومنهج الله ، المنهج المحمدي الموحى به "القرآن الكريم " والملهم به من السنة الصحيحة .
وإني لأرى بوادر النصر وإرهاصاته -إن شاء الله - بقيام الأمة وعودة المجتمع الذي سيعلو بتوحيده فوق توليفات البشر مما يغزو بلادنا اليوم من تيارات الإلحاد، نعم إني لأحسها قريبة وأرى أعلامها ترمى بهذا الغثاء من فكر البشرية الضال في ركام الجاهلية .
إني لأكاد أشاهد أعلام الالتزام بما كلفت به خير أمة أخرجت للناس . . وأعلام الالتزام بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله .
نعم إننا لا نستعجل الزمن . فالسنون ، عشراتها ومئاتها، ليست بذات قيمة في عمر الدعوات والأمم . ولكن العبرة أننا ثابتون على الطريق ، مؤمنون بسلامة الخطى ووضوح الرؤية .
إننا على يقين أننا على حق . وكل الذي يعنينا أن نضيف لبنات جديدة للبناء. المهم ألا نتقاعس ولا نتخاذل ولا نتقهقر عن عقيدتنا: عقيدة التوحيد، عقيدة العمل ، عقيدة البيان ، بيان الحق للناس جميعا، بيان عقيدتنا لكل البشر.
وإيمانا منا بأن فترة سجننا وتعذيبنا هي من حق التاريخ ، ومن حق الذين على الطريق أن يعوها ويدرسوها حتى يبقوا على طريق الجهاد، ولا تتحول قضيتهم إلى سفسطة كلامية، وحديث ترف وقصة تاريخ ، إيمانا بهذا كله نزلت على رأى المخلصين من أبنائي وإخواني، واستعنت بالله سبحانه وتعالى في جمع ما احتوته ذاكرتي مما كان . وان كان من الصعب أن يستعاد بوصفه ونمطه ..
ويكفى دلالة عليه أن أشير إلى أن حاملي السياط وخبراء التعذيب بألوانه وأشكاله ، قد سموه : جهنم ! ! إن جهنم هذه كانت بوتقة لصهر معادن الرجال فنقتها ، وانجلت مهزلة التعذيب عن رجال محصتهم الفتنة فقالوا بأعلى صوت : "يا أيها الناس : الإسلام ليس انتماء بل التزام واتباع " .
وأرجو الله أن يعينني على استعادة الصورة أو بعضها، وأن تكون للمخلصين مشعل حق ونور وهداية . فلنشق لخطانا صراطا مستقيما، وإني لأعيدها وأصر عليها : "إنها رسالة الرسل والأنبياء، هيمنت عليها وأكملتها رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، فبشريعته أتم الحق تكاليفه لعباده ونسخ بها ما سبقها وأقامها حقيقة زكية (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف : 129 .
إن الذين تجشموا وعورة الطريق وعرفوا بمشيئة الله مقاصد الكتاب والسنة، لن يحيدوا عن الحق والخير والدعوة إليه حتى تقوم الأمة وتستقر البشرية تحت أعلام كتاب الله وسنة رسوله .
وإننا لعلى الطريق مثابرون محتسبون ما نلاقى غد الله . . و( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ) التوبة .
فإلى أرواح الشهداء الذين سبقونا : تحية حب وعرفان ووعدا بأننا على الطريق . إلى كل من كان في قلبه مثقال ذرة من خير. . لعل الله أن ينفع به ويهدي . . وما تشاءون إلا أن يشاء الله .
زينب الغزالي الجبيلي الباب الأول
عبد الناصر يكرهني شخصيا !
في مساء يوم من أيام الشتاء، وفى أوائل شهر فبراير عام 1964 م كنت عائدة إلى بيتي، حين انقلبت بي عربتي إثر اصطدامها بعربة أخرى، كانت الصدمة قاسية فذهبت في شبه إغماءة، كانت الآلام الشديدة توقظني منها. ولم أتبين من كل ما حدث حولي إلا صوت إنسان ينادى اسمى في فزع ، وغبت عن الوعي، وحين تنبهت وجدت نفسي في مستشفى هليوبوليس وبجانبي زوجي وأشقائي وشقيقاتي وبعض زملائي في الدعوة وزميلاتي . كان الكل في فزع وألم شديدين تحكيهما تعبيرات الوجوه التي تصفحتها وأنا أفتح عيني لأول مرة وشفتاي تتمتمان "الحمد لله . . الحمد لله ، وكأني بالتمتمة أسألهم عما حدث ؟ إلا أنني ما لبثت أن غبت ثانية عن الوعي، ولم أتنبه إلا بدخول إحدى الحكيمات بالمستشفى مع ممرضين وممرضتين لحملي إلى حجرة الأشعة . وتذكرت ما حدث وسمعت زوجي يقول : الحمد لله سلمها الله ، احمدي الله يا حاجة . وسألت عن سائق عربتي فعلمت أنه –بحمد الله – بخير، وأنه يعالج في المستشفى، وعلمت فيما بعد أنه أصيب بارتجاج في المخ . وحملت إلى غرفة الأشعة، ولما تبين وجود كسر في عظمة الفخذ، وضع ساقي في قفص حديدي وتقرر إجراء عملية جراحية. ونقلت إلى مستشفى مظهر عاشور ليجريها لي جراح العظام الدكتور محمد عبد الله ، واستغرق إجراء العملية -تعاد بعد التحضير والتخدير- ثلاث ساعات ونصف الساعة . . عشت بعدها فترة، ونذر الخطر تحيط بي . ثم زالت أيام الخطر وبدأت ألتقط ما يقال وما ينقل ، مما يوضح أن الحادث كان مدبرا من مخابرات جمال عبد الجمعية إلى . ولما احتججت بأن الأمر بسيط لن يتعدى التوقيعات أصر على موقفه . ومضت أيام رجوت الطبيب بعدها السماح بمزاولة بعض أعمال الجماعة من فراشي فرفض ، وازددت يقينا بان هناك شيئا ما، يتعمد الجميع إخفاءه عنى ونعيش لدعوتنا ، إنها دعوة التوحيد وسننتصر بإذن الله ، وأرخص ما نبذله لها أن نستشهد في سبيلها". "ليس لعبد الناصر الحق في أن يحل جماعة السيدات المسلمات .